Newsletter

الخميس، 20 أبريل 2017

ضَيٌ لا ينطفئ

ضَيٌ لا ينطفئ

سيدة ابتلت بزوج سئ الخلق والعشرة، حياتها معه لا تُحتمل، رزقت بولدين طالهما أيضًا أذى أبيهما. تُكرس حياتها لولديها، تتحمل الأذى لأجلهما، تعيش مع من لا تطيقه لأجلهما، حتى إنها تحاول استقبال القدر الأكبر من الأذى، ليقل نصيب الولدين منه، يتوفر لها فرصة للرحيل عن هذا الشخص فهي بدونه لن تكون بلا مأوى بل على النقيض ستحيا حياة أفضل ماديًا ومعنويًا، ولكن بدون أبنائها، فإن رحلت سترحل بمفردها، ولن تستطيع اصطحاب الولدين، كل من يعرفها يطلب منها الرحيل والولدان سيكونان مع أبيهما، وسيكبران على كل حال، وحتى إن ظلت معهما عندما يكبران، سيسعى كل منهما في طريقه وتبقى هى مع هذا الشخص.                                  كانت دومًا تقول أنها تعيش لولديها، تريد أن تكون بجوارهما لتمسح دموعهما، تريد أن تتحمل غضب والدهما لتزيحه عنهما، وأن كل ما تريده أن تربيهما تربية حسنة، ليصنعا لنفسهما حياة أفضل، ولا تريد منهما شئ لها، ولا تريدهما أن يتحملا عبئها.
أسرة فقيرة، مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء، يعمل الأب عملًا شاقًا بدوامين، ويتحمل الأمرّين فقط لأجل أسرته، الأم لا تتناول الطعام إلا  بعد أن تطمئن أن الأب والأبناء قد أكلوا ما يكفيهم.
صديقة أعرفها تدرس بكلية الطب، وفى السنة الأخيرة بالكلية، والتي تعد سنة للتدريب العملى، كانت تتنقل بين العيادات المختلفة لتتعلم، كنت كلما أكلمها أجدها مع أحد المرضى تصطحبه لعمل الفحوصات اللازمة، وتظل مرافقة له حتى ينتهي، ويغادر المستشفى، أحيانًا كانت تظل مع المريض الواحد لما يقارب الثلاث ساعات ترشده للأماكن المختلفة وتتنظر معه، كانت عندما تجد المرضى يهابون الطبيب أو الطبيب مشغول جدًا وغير ملتفت لكافة أسئلتهم، تتولى هي طمأنتهم وشرح الأمور لهم.
شاب رأى فتاة تتعرض للأذى، وعندما تدخل لحمايتها ناله هو الأذى، هناك مجموعة من القواعد والتعاليم التى تضع الإنسان في مساره التكاملي، وتحدد طريقه إلى العلياء، نعرف الأخلاق وأهمية التحلي بها، نعرف معانٍ سامية كالإخلاص والعطاء والوفاء والحب والصبر وغير هذا الكثير، ولكن يحتاج الإنسان الانتقال من مجرد المعرفة النظرية إلى المشاهدة والمعرفة العملية، المُثُل تحتاج إلى التجارب الواقعية التي تُوجد الصلة بين المعرفة النظرية والمعرفة العملية، تلك التجارب والأفعال التى تحفظ الفكرة من الناحية المعنوية والروحية، وتنقل الإنسان إلى حيز التطبيق الحقيقي لهذه التعاليم، التي تجعل الإنسان المخلوق في أقرب درجة ممكنة من الكمال المطلق، تلك التجارب التي تحركه نحو تخطي الحجب المادية، وتظهر له إمكاناته وقدراته الحقيقية.
الأمثلة المذكورة ذاب أصحابها في الفكرة، وتشربوا معاني العطاء والوفاء والصبر والتحمل، فبذلوا التضحيات وقدموا النموذج التطبيقي الأكثر وضوحًا ودلالة على هذه المثل، فنرى النموذج الإنساني فى إطار تجربة تنطوي على قدر كبير من التحديات والصعوبات، فتظهر الكمالات الفعلية للنموذج الإنساني، نرى الإنسان، نراه أمامنا شفافًا إلى أقصى ما يمكن؛ فنرى من خلاله كل القيم والمثل الحالمة واقعًا ملموسًا ومحسوسًا، هنا يلتقى الواقع بالمثال،  إذ لم يعد هناك حجاب مادي يحجب المثال المجرد، أصبحت التضحية واقعًا.
تلك التضحيات قد تكون مكاسبها على المستوى المادي معدومة، بل ويصحبها ضرر مادي، ولكن ثمة غاية كبرى قائمة بذاتها في هذه التضحية، فصاحب التضحية يسعى لغاية واحدة ومحددة مهما تحمل فى سبيلها، والنتائج المادية ليست في الحسبان.
فبالمنطق المادي هذه الأمثلة أصحابها خاسرون ومعذبون، ولكن من المنظور المعنوى الروحي ثمة غاية واحدة فقط غير مشوبة بغايات أخرى.
من يضحي بلذة مؤقتة زائلة ليحافظ على قيمة ويحييها، من يتعرض للأذى لنصرة ضعيف أو مظلوم، من يسعى لطلب ونشر العلم مضحيًا بالراحة والكثير من اللذات، من يرفض المال والمنصب المشوبين بهدم القيم، من يبذل من نفسه ووقته ليخرج أبناء نافعين للمجتمع.
هذه التضحيات هي المسؤولة عن إبقاء باب التكامل الإنسانى مفتوحًا على طول الزمن والمسار البشرى، تلك التضحيات هي التى تتصدى للمشكلات العديدة على المستوى الفكري والأخلاقى والتي تنخر في جسد المجتمع، تلك التضحيات تُحدث صدمة فى الوعي، في العقل والعاطفة معًا، لإيقاف مسار الحياد عن الصواب..
تلك التضحيات هي رحمة بنا وبالمجتمع، فهذا النموذج الإنساني الذى نتكلم عنه، هو في جماله ونوره الداخلي، يحمل كل ما هو جميل في هذا الوجود، في روحه وعقله، فالإنسان في سعيه نحو الكمال هو أرقى تجلٍ للجمال.
التضحية هي شهود مباشر وإدراك معنوى قلبى للحقيقة، كإدراك مريم حين نُبذت واتُهمت وعانت، كإدراك موسى حين اندك الجبل وخرهو صعقاً.

ضَيٌ لا ينطفئ

ضَيٌ لا ينطفئ

سيدة ابتلت بزوج سئ الخلق والعشرة، حياتها معه لا تُحتمل، رزقت بولدين طالهما أيضًا أذى أبيهما. تُكرس حياتها لولديها، تتحمل الأذى لأجلهما، تعيش مع من لا تطيقه لأجلهما، حتى إنها تحاول استقبال القدر الأكبر من الأذى، ليقل نصيب الولدين منه، يتوفر لها فرصة للرحيل عن هذا الشخص فهي بدونه لن تكون بلا مأوى بل على النقيض ستحيا حياة أفضل ماديًا ومعنويًا، ولكن بدون أبنائها، فإن رحلت سترحل بمفردها، ولن تستطيع اصطحاب الولدين، كل من يعرفها يطلب منها الرحيل والولدان سيكونان مع أبيهما، وسيكبران على كل حال، وحتى إن ظلت معهما عندما يكبران، سيسعى كل منهما في طريقه وتبقى هى مع هذا الشخص.                                  كانت دومًا تقول أنها تعيش لولديها، تريد أن تكون بجوارهما لتمسح دموعهما، تريد أن تتحمل غضب والدهما لتزيحه عنهما، وأن كل ما تريده أن تربيهما تربية حسنة، ليصنعا لنفسهما حياة أفضل، ولا تريد منهما شئ لها، ولا تريدهما أن يتحملا عبئها.
أسرة فقيرة، مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء، يعمل الأب عملًا شاقًا بدوامين، ويتحمل الأمرّين فقط لأجل أسرته، الأم لا تتناول الطعام إلا  بعد أن تطمئن أن الأب والأبناء قد أكلوا ما يكفيهم.
صديقة أعرفها تدرس بكلية الطب، وفى السنة الأخيرة بالكلية، والتي تعد سنة للتدريب العملى، كانت تتنقل بين العيادات المختلفة لتتعلم، كنت كلما أكلمها أجدها مع أحد المرضى تصطحبه لعمل الفحوصات اللازمة، وتظل مرافقة له حتى ينتهي، ويغادر المستشفى، أحيانًا كانت تظل مع المريض الواحد لما يقارب الثلاث ساعات ترشده للأماكن المختلفة وتتنظر معه، كانت عندما تجد المرضى يهابون الطبيب أو الطبيب مشغول جدًا وغير ملتفت لكافة أسئلتهم، تتولى هي طمأنتهم وشرح الأمور لهم.
شاب رأى فتاة تتعرض للأذى، وعندما تدخل لحمايتها ناله هو الأذى، هناك مجموعة من القواعد والتعاليم التى تضع الإنسان في مساره التكاملي، وتحدد طريقه إلى العلياء، نعرف الأخلاق وأهمية التحلي بها، نعرف معانٍ سامية كالإخلاص والعطاء والوفاء والحب والصبر وغير هذا الكثير، ولكن يحتاج الإنسان الانتقال من مجرد المعرفة النظرية إلى المشاهدة والمعرفة العملية، المُثُل تحتاج إلى التجارب الواقعية التي تُوجد الصلة بين المعرفة النظرية والمعرفة العملية، تلك التجارب والأفعال التى تحفظ الفكرة من الناحية المعنوية والروحية، وتنقل الإنسان إلى حيز التطبيق الحقيقي لهذه التعاليم، التي تجعل الإنسان المخلوق في أقرب درجة ممكنة من الكمال المطلق، تلك التجارب التي تحركه نحو تخطي الحجب المادية، وتظهر له إمكاناته وقدراته الحقيقية.
الأمثلة المذكورة ذاب أصحابها في الفكرة، وتشربوا معاني العطاء والوفاء والصبر والتحمل، فبذلوا التضحيات وقدموا النموذج التطبيقي الأكثر وضوحًا ودلالة على هذه المثل، فنرى النموذج الإنساني فى إطار تجربة تنطوي على قدر كبير من التحديات والصعوبات، فتظهر الكمالات الفعلية للنموذج الإنساني، نرى الإنسان، نراه أمامنا شفافًا إلى أقصى ما يمكن؛ فنرى من خلاله كل القيم والمثل الحالمة واقعًا ملموسًا ومحسوسًا، هنا يلتقى الواقع بالمثال،  إذ لم يعد هناك حجاب مادي يحجب المثال المجرد، أصبحت التضحية واقعًا.
تلك التضحيات قد تكون مكاسبها على المستوى المادي معدومة، بل ويصحبها ضرر مادي، ولكن ثمة غاية كبرى قائمة بذاتها في هذه التضحية، فصاحب التضحية يسعى لغاية واحدة ومحددة مهما تحمل فى سبيلها، والنتائج المادية ليست في الحسبان.
فبالمنطق المادي هذه الأمثلة أصحابها خاسرون ومعذبون، ولكن من المنظور المعنوى الروحي ثمة غاية واحدة فقط غير مشوبة بغايات أخرى.
من يضحي بلذة مؤقتة زائلة ليحافظ على قيمة ويحييها، من يتعرض للأذى لنصرة ضعيف أو مظلوم، من يسعى لطلب ونشر العلم مضحيًا بالراحة والكثير من اللذات، من يرفض المال والمنصب المشوبين بهدم القيم، من يبذل من نفسه ووقته ليخرج أبناء نافعين للمجتمع.
هذه التضحيات هي المسؤولة عن إبقاء باب التكامل الإنسانى مفتوحًا على طول الزمن والمسار البشرى، تلك التضحيات هي التى تتصدى للمشكلات العديدة على المستوى الفكري والأخلاقى والتي تنخر في جسد المجتمع، تلك التضحيات تُحدث صدمة فى الوعي، في العقل والعاطفة معًا، لإيقاف مسار الحياد عن الصواب..
تلك التضحيات هي رحمة بنا وبالمجتمع، فهذا النموذج الإنساني الذى نتكلم عنه، هو في جماله ونوره الداخلي، يحمل كل ما هو جميل في هذا الوجود، في روحه وعقله، فالإنسان في سعيه نحو الكمال هو أرقى تجلٍ للجمال.
التضحية هي شهود مباشر وإدراك معنوى قلبى للحقيقة، كإدراك مريم حين نُبذت واتُهمت وعانت، كإدراك موسى حين اندك الجبل وخرهو صعقاً.