قوة عقلك الباطن ... طريقك إلى اليقين لبناء مستقبل واعي و تخطيط حياة سوية ... إنماء العقل الباطن وتدريبه
Newsletter
الاثنين، 31 يوليو 2017
الأحد، 30 يوليو 2017
السبت، 29 يوليو 2017
الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع
الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع
الخُلق هو حال للنفس داعيةُ إلى أفعالها من غير فكرٍ ولا روِّية، كما قال ابن مسكويه. بمعنى أن صاحب الخلق إرادته تابعة لخُلقه، والفعل تحت طوع الخُلق. فعلى سبيل المثال؛ أحد الجيران يشتعل بيته، فنجد أنَّ جاره الذى كان يجلس فى نفس اللحظة -يتناول الطعام مع أطفاله- يقوم مُسرعًا ملهوفًا لنجدة جاره بدون تفكير فى أى شئ غير ذلك. يُسيطر على إرادته أن نجدة جاره هو الفعل المُسيطر والمهيمن فى هذه اللحظة وليس الجلوس مع أطفاله.
ونحن-البشر- نلحظ الأخلاق بآثارها الخارجية على أصحابها، ففى المثال السابق نستطيع أن نقول أن هذا الرجل مُتخلق بخلقٍ نجدة الملهوف، ونستطيع أيضًا أن نقول أنه صاحب خلق حسن بالمعنى الخاص، و هو إنسان خلوق بالمعنى العام.
ونستطيع التمييز أيضًا بين الخلق الحسن والخلق السئ. فهذا واحد آخر لديه محل تُجارىّ ولديه عمال مساعدون بالمحل، وجل تعامله معهم يكون بالفظاظة والغلظة واللؤم. ولذلك نستطيع الحكم عليه بأنه رجل فظ، غليظ، لئيم. وأنه كذلك صاحب خلق سئ.
فالأخلاق كالنبع الذى يروى النباتات، فإن كان نبعًا صافيًا زلال؛ كانت النباتات يانعة صالحة جميلة المظهر، وإن كان النبع عكرًا فاسدًا مُلوّثًا؛ لرأينا نباتات صفراء فاسدة . فالأخلاق إنعكاس للنفس البشرية.
ولأن الإنسان العاقل محب لكل ما هو خير وجميل وحسن؛ يسعى دائمًا لتنقية نفسه مما انطبعت عليها من أخلاق سيئة. فهو كما ينقى ثوبه من الأدران والأوساخ، ينقى نفسه مما انطبع عليها من موبقات ورذائل. لأنه يريد أن يكون سعيدًا بنفسه كما هو سعيدًا بجسده المنتصب القامة عن سائر الكائنات.
والأخلاق منها ما يترسَّخ بالنفس حد الثبات، ومنها ما هو مؤقت لم تُتَحْ لها الفترة اللازمة حتى تتمكن بالنفس وتكون صفة راسخة. فإن كانت هذه الصفات الراسخة حسنة؛ فأنعم بها وأكرم لصاحبها ومن حوله. وإن كانت سيئة فبئس لصاحب الخلق ومن حوله. فالأخلاق لها انعكاسان أحدهما خاص والثانى عام؛ فهى تنعكس على صاحبها وتُكون شخصيته بشكل خاص، كما أنها أيضًا تنعكس على المجتمع ككل؛ فصاحب الخلق هذا يتعامل مع غيره فى الشركة، فى المصنع، فى المدرسة، فى المستشفى… إلى آخره. فلنتخيل سويًا ماذا سيحدث لشركة ما فى بلد ما إذا كان مديرها طيب الخلق، عطوف، مُقدِّر لمجهود موظفيه؟ وماذا سيحدث لهذه الشركة إن كان مديرها سئ الخلق ومقدر لمجهود موظفيه؟!
لا شك أننا أدركنا أن الأخلاق تأثيرها لا يرتبط بالفرد وحده بل بمن حوله ومحيطه أيضًا. والفرد الخلوق نواة لمجتمع صاحب أخلاق قويمة. ولنضرب مثلًا على تأثير الأخلاق الفردية على المجتمع؛ ففى إحدى الدول الغربية حدث أن انقطعت الإضاءة عن المدينة بأكملها، ويذكر صاحب مطعم فخم أنَّ مطعمه كان مزدحمًا فى تلك الليلة بالعُملاء ولِيُفَاجأ صاحب المطعم بعد عودة الإضاءة للمدينة ولمطعمه بأن جميع العملاء قد تركوا المطعم جميعًا دون أن يحاسبوا على ثمن وجباتهم!! فالأخلاق إن لم تكن حاكمة فى مجتمع، لرأينا أكثر المجتمعات تقدمًا علميًا تُقاسى الويلات بسبب انعدام الأخلاق.
وكما أن النبتة تُراع وتتابع حتى نحصل على أجود الثمر، فكذلك الخلق الحسن يحتاج أن يُراع ويتابع حتى يتمكن فى النفس وتحصل السعادة الفردية لصاحب الخلق، وكذلك السعادة والنفع لمجتمعه بمشاركته النافعة.
ومتابعة الأخلاق الحسنة وغرسها بالنفس، ونبذ الأخلاق السيئة تحتاج إلى إخلاص وصبر دؤوب. فالإنسان عندما يبدأ الكذبة يُطلق عليها مسميات من شأنها أن تخفى حقيقة خلق الكذب السيئة، فيطلق مثلًا لفظ “كذبة بيضاء” يبرر لنفسه أنه لا يفعل شيئًا مشينًا، ثم يستمر ويستمر حتى يصبح الكذب صفة راسخة فى نفسه. فكذلك الخلق القويم الحسن بالضبط. عندما يبدأ الإنسان بمعالجة خلقه السيئ كالبخل مثلًا؛ فإنه يبدأ بالضغط على نفسه لأنه يخالفها فيعطى ولو القليل، ثم يعطى، ويعطى حتى يبدأ بالتحلى بصفة الكرم.
فالأخلاق الحسنة تُرَقِّى الإنسان وتُعلى من قدره وترفعه إلى كماله حتى يستحق بذلك خلافة الإله الحكيم فى الأرض. والأخلاق الحسنة هى الكاشفة دائمًا إلى طريق الحقيقة.
الجمعة، 28 يوليو 2017
الخميس، 27 يوليو 2017
الأربعاء، 26 يوليو 2017
الثلاثاء، 25 يوليو 2017
الاثنين، 24 يوليو 2017
الأحد، 23 يوليو 2017
السبت، 22 يوليو 2017
مشقّة غير شاقّة!
مشقّة غير شاقّة!
تريد أن تنجح في حياتك؟
تريد أن تطلب العلم وتترقى فيه؟
تريد أن تكتسب عادات سليمة وتتخلص من أخرى سيئة؟
تريد أن تكتسب أخلاقًا حميدة؟
هناك طريق واحد لأي من ذلك، يدل عليه العقل، وينبهنا له العلماء والمصلحون والمرشدون، وهو العمل الشاق، وجهاد النفس، والعمل ضد شهواتها ونزواتها، كي تصل لمرادك.
طريق شاق مؤلم، أليس كذلك؟
وهذا ما يدفعنا للاستسلام، وترك الطريق، وأن نعود أدراجنا مفضلين منطقة الراحة.
وهذا طبيعي، لأن الإنسان بطبيعته محب للسعادة واللذة، غير محب للشقاء والألم، لذلك عندما يجد طريقا شاقًا ومؤلمًا ستنفر منه نفسه بالضرورة وتتركه، وسيفشل في مراده.
إذن ما الحل؟ هل هناك أمل في أن نتابع الطريق المؤلم الشاق؟
دعني أصارحك، لا يوجد أمل!
لا يوجد أمل طالما ترى أنه شاق ومؤلم، طالما لا ترى فيه إلا العذاب والشقاء، طالما لا تجني منه إلا العلقم والشوك.
الذين وصلوا إلى نهاية الطريق، كانت نظرتهم مختلفة، لقد رأوا فيه السعادة واللذة والبهجة.
أليس هذا الطريق هو الذي دلّك عقلك أن فيه سعادتك؟ طريق تحقيق مرادك والوصول لغاياتك القصوى الجميلة؟ أليست هذه الغاية مبهجة ولذيذة؟ أليست كل خطوة على الطريق هي خطوة صوب السعادة والقرب منها؟
إن سعادة الإنسان الحقيقية ولذته القصوى هي في اتباعه عقله، والوصول لغاياته السليمة التي فيها كماله، سعادته في تحصيل معارف يرتقي بها، وعادات وأخلاق تسمو بها نفسه وروحه.
وكل نجاح صغير، وكل خطوة قصيرة في الطريق، يجد فيها الإنسان لذة، كل معرفة ومعلومة جديدة لها بهجة، وكل عادة وخلق حسن له فرحة، وكل سلوك خيّر له نشوة.
إذن من أين تأتي المشقة؟
فقط أحيانا تخدعنا شهواتنا ونزواتنا، وأوهامنا وشياطيننا الداخلية بالميل للكسل، ولمناطق الراحة الوهمية والكاذبة، طالبين ما فيهم من راحة زائفة، واستقرار خادع، فيحجبون تلك اللذات والمباهج الحقة، ويتتبعون الماضي الزائف والحاضر المفتقر للتغيير فيبكون عليهم حسرات.
لكن الحفاظ على هذه الآفات، هو عين التعاسة والشقاء والألم كما تعرف أنت، هو الفزع الذي يعذب روحك كل صباح ويدفعك لمحاولة تغيير واقعك. فمشقة الترك هنا مثل مشقة تناول دواء مر قليلا للوصول لشفاء تام لذيذ، وبمجرد بدء الخطوات والانتباه للمباهج سابقة الذكر ننسى هذه المشاق وننشغل عنها. بل في الحقيقة إن الدواء طعمه حلو وليس مرًا! لكن شهيتك المعتلة التي اعتادت المرض هي التي تنكرت له، وعندما تتعافى ستلتذ به.
أيضًا قد يعيا الجسد في تتبع الأرواح الوثابة نحو الثريا، لكنه تعب سريع الزوال يذهبه قليل نوم أو راحة.
إن لذات الطريق ومباهجه يشخصها العقل ويعرفها يقينا، ويلتذ بها في كل خطوة، لذة وسعادة الكمال الحق للإنسان، لذة عظيمة تنتبه لها الأرواح التواقة للجمال فتنسى كل ما دونها، وتحيا بها وتنتشي، فتتحرك طربا وابتهاجا، فلا تكاد تلتفت لآلام الجسد القليلة وأوهام النفس الخادعة.
تذكر ذلك وتنبه له دومًا، إن لم تر في الطريق غير آلام الجسد ومخاض النفس، وفشلت في إدراك جماله فإنك ستنفر منه.
خدعة كبيرة تُسوق لنا: “طريق السعادة لا سعادة فيه”! لكن في الحقيقة الطريق هو عين السعادة، وما فيه من مشقة -هي في الحقيقة-غير شاقة.
الجمعة، 21 يوليو 2017
ماذا يدور في ذهن الغرباء؟
ماذا يدور في ذهن الغرباء؟
في هذه اللحظات من الهدوء الخانق الذي يكاد يقتل الإنسان من شدة ألم الوحدة تظهر تفاصيل الحياة أكثر وضوحا… تتحقق هنا لحظات من الصراحة مع النفس، فإنك في هذه اللحظات لا تجد أمامك إلا نفسك لتسليك وتخاطبك وتحقق معك! بصراحة لا أعلم كيف يتحمل الغربة هؤلاء الذين عايشوها بالعقود حتى وافتهم المنية بعيدا عن الوطن أو ربما عادوا بعد أن أهلكتهم الأيام والشهور والسنين، فأصبحوا أجسادا متهالكة مستنفذة تعود مثل الأفيال المسنة لمقبرة الأجداد لتلحق بهم؟ ربما هي صورة سوداوية لا يطيق سماعها -ناهيك عن أن يصدقها- كل أصدقائي المتحمسين للسفر، فهو لا يرى في الغربة سوى النقود والمتعة والتغيير والدنيا ثم المزيد من النقود والمتعة والدنيا.
لكن هؤلاء لا يفكرون في المعادلة ككل، فهم لا يفكرون في تلك اللحظة التي تعود فيها بعد سهرة صاخبة وممتعة مع أصدقائك لمنزلك الصغير، تفتح الباب فلا تجد من يسلم عليك، لا تجد الحضن الدافئ الذي اعتدت عليه ولا الأصوات المألوفة التي تحييك عند الدخول، تلك الأشياء البسيطة التي نتعامل معها كل يوم في وطننا على أنها حق مكتسب بالفعل، لا لن تجدها! فقط ستجد تلك اللحظات الفظيعة من الصمت ثم الصمت ثم المزيد من الصمت. لن يقطعه إلا ربما كلامك مع نفسك أو ترديدك لبعض الآيات من كتابك المقدس أو ترديد بعض النغمات من هنا وهناك. كل ذلك ليس لأنك تريد أن تسمع أو تقرأ أو تردد، ولكن فقط لتهرب من ذلك الصمت الرهيب، فقط لكي تنسى أنك هنا وحدك تماما!
سينالني الكثير من النقد والتهكم وربما الغضب والسخرية من هذه النظرة. أتفهم ذلك تماما، فأنا الآن في نظر الكثيرين “متبطر على النعمة” منكر للجميل وجاحد. أتخيل ربما أن شخصا –بل أنا متأكد– سيقول لي عد أنت لوطنك الذي تحبه ولأذهب أنا بدلا منك لأستمتع وأغتنم تلك الفرصة التي يبدو أنها لا تعجبك كثيرا! وأنا لا ألوم أيًّا من تلك الأصوات التي ربما تضحكني الآن وأنا أتخيلها. لقد رأيت بعض الأشياء في حياتي وتخيلت عند رؤيتها لأول وهلة أنها سهلة سلسة، ولكن عند تجربتها بنفسي أدركت صعوبتها وعدم قدرتي عليها في بعض الأحيان.
لكن ما هي تلك الأشياء غير المرتبة التي أتكلم عنها؟ ما الذي أريده؟ وما هي غايتي من هذا الكلام؟ ربما هي أكثر كتاباتي غير المرتبة ولكن ذلك لأن الكلام يعكس ما أشعر به وهو الحيرة والتخبط بين المشاعر المتعاكسة والقرارات المتضاربة. لقد اخترت أن أكتب في خضم تلك الحالة النفسية غير المتزنة ليكون كلامي نابعا منها لا فقط واصفا لها ومعبرا عنها. فأنا أسطر الآن جزءا من الحوار الفعلي الذي يدور بيني وبين نفسي. لا أعرف هل أكون سعيدا أم حزينا؟ متحمسا أم كسولا؟ مندفعا أم مترددا؟ بدون نقطة أصل يربطني بها حبل الأمان سأتوه حتما في مياه هذه البحار العنيفة. أمواج متلاطمة وعواصف وأحداث سريعة الوتيرة تكاد تغمرك كما تغمر المياه الغريق الذي أوشك على الهلاك، وبدون سترة النجاة ستجد نفسك بالفعل انتهيت.
أحاول أن أهدأ وأن أتحكم في انفعلاتي، لا أنسى كم كنت أشعر أنني طفل صغير بائس عندما أخذني أحد الطلاب وهو يصغرني بـ 6 سنين لأنهي أوراقي الرسمية. كنت مثل الأضحوكة، يأخذني هنا ثم هناك، يتكلم مع الموظفين بلغته التي لا أعرفها وينطق باسمي مرات كثيرة فأعرف أنهم يتكلمون عني، ثم يوجهون لي بعض الأسئلة فأجاوبهم بالإنجليزية التي لا يعرفون عنها إلا القليل فأعود لأشعر بالإحباط والحزن مرة أخرى. ما هو ذلك الشيء الذي ينقصني؟ ربما أشتاق للتكلم بطلاقة، أتذكر هنا تلك الأيام التي كنت أضيعها دون أن أطمئن على أصدقائي وأقاربي، أتمنى لو تعود تلك اللحظات الآن لكي أكلمهم وأسمع أصواتهم العذبة التي كانت ستسلي عني كثيرا في هذه المواقف السيئة.
تسقط كل الأقنعة الزائفة التي كنت أرتديها في وطني عن وجهي بكل سهولة عندما أواجه هذا الصمت الرهيب صمت الغربة، صمت في وسط الضجيج. تسمع الأصوات ولكن لا تفهم، تصدر الضحكات ولكن دون أن تشعر بالسعادة، يحرقك الحزن والأسى ولكن لا أحد يحنو عليك أو يطمئنك. هي بالفعل غربة، كلمة ثقيلة ربما لن يدرك معناها إلا من واجهها عيانا بيانا.
ولكن في وسط كل تلك الظلمة والتشاؤمية التي ربما غلبت بالكامل على كتابتي هذه المرة، لا يدفعني للاستمرار إلا بصيص من النور في آخر نفق الغربة المؤلم المظلم الكئيب. لقد أتيت إلى هنا لأن لدي قضية وهدف أسعى إليه. لست هنا في نزهة أو عطلة لكي أستمتع، لو توقعت المتعة فبالتأكيد سأكتئب لأنني لن أجد أي متعة هنا، إلا ربما لحظات قصيرة من تجربة الجديد وغير المألوف والتي ربما ستنسيني هذا الصمت المخيف الذي أحاول أن أهرب منه. لكن ليس هذا سببا كافيا وحده لكي أستطيع أن أستمر في الرحلة.
لقد جئت لأعيش ولو جزءا يسيرا مما أكتب عنه وأحاضر عنه وأدعو له في كلامي ورأيي وكتاباتي. لم أجيء لكي أتحول للوحة إعلانات ضخمة للغرب أو لكي أساعد في رسم الصورة الوردية عن الحياة في الغربة. لقد جئت لأكسر صنم الغربة في قلبي. ذلك المفتاح السحري ومصباح علاء الدين الذي يصور الإعلام والغزو الثقافي الذي فتك بعقولنا أنه الحل لكل مشكلاتنا وأزماتنا. اعتقاد نسف الكثير من المبادئ ودمر الكثير من قدرات الوطن البشرية والمادية وأهلك الكثير من الأجيال السابقة والمستقبلية التي عانت ولا زالت تعاني من عدم الاستقرار الأسري الذي ينتج عن الغربة.
أستطيع اليوم أن أبحث في نفسي بدرجة أعمق مستغلا الصمت الذي يجلي تفاصيل النفس وعيوبها لكي أعالجها وأعود لوطني بعد فترة من النقاهة والتطهير، إنسانا قد انتصر على شهواته وغضبه واستطاع تكريس وقته ومجهوده للعمل على تحقيق قائمة أهداف محددة. ويعود الآن لوطنه ليخدم المستضعفين ويطور في ذلك البناء الشامخ الذي تركه له الأجداد والآباء بعد معاناة ومجهود على مدار آلاف السنين. إرث لا يعتز به إلا من عرف قيمته الحقيقية وعايشها، ولا يستهين به إلا من انهزمت عقليته أمام الغزو الثقافي الغربي الذي يشوه لنا كل ما تبقى من إرثنا وهويتنا الوطنية. فقط بهذه العقلية أستطيع أن أقهر ظلمات هذه الغيبة القاتمة.
الخميس، 20 يوليو 2017
الأربعاء، 19 يوليو 2017
الثلاثاء، 18 يوليو 2017
الاثنين، 17 يوليو 2017
الأحد، 16 يوليو 2017
السبت، 15 يوليو 2017
الجمعة، 14 يوليو 2017
الخميس، 13 يوليو 2017
طلسم التقدم
طلسم التقدم
بنى الإنسان لنفسه عالمًا من الأفكار والفلسفات المختلفة والتى تعكس نظرته لوجوده وغايته فى الوجود، وقامت حضارات واختفت حضارات حتى شهد التاريخ البشرى حضارة تطرح نفسها كحضارة عالمية شاملة؛ حضارة لها وسائلها وقيمها التى تقدمها لنا بوصفها الأفضل لما فيه صالح البشرية، الحضارة المادية.
وأعترف أن هذه الحضارة تمتاز بالحنكة فى الدعايا والإعلام، أقنعونا بأن التنمية تعنى الغرب والغربيين، وعلى من يريد أن ينضم لمصاف الدول النامية الساعية للتقدم أن يقتدى بالنموذج الغربى وبالتغريب.
ولكن على الرغم من كل هذه الدعايا والكلمات الحلوة الرنانة وكل هذه البهرجة، فإن هذا التقدم الذى يزعمون أنه يحمل بين طياته سعادة البشرية هو ذاته نفس التقدم الذى تعانى منه البشرية بأسرها، ولكل حظه من العناء، هذه الحضارة هى التى أدت بالشعوب إلى المعاناة من الأسر والذل والحروب وانتشار الأخلاق الفاسدة والمبادئ المزيفة وشيوع الفساد والانحراف والتفكك الأسرى، حتى تلك الدول التى أقامت هذه الحضارة نالت نصيبها من العناء؛ فلو تمت مقارنة الوضع الأخلاقى لتلك الشعوب قديمًا بالوقت الحالى لوجدنا انحطاطًا أخلاقيًا يعم الغرب الحالى بدرجة لا تُصدق، ولن نجد السعادة ترسم سقف حياتهم، ولكن سنجد معدلات مرتفعة من الاكتئاب والحزن والانتحار والوحدة والتفكك الأسرى بل والفقر أيضًا فى بعض المناطق.
لقد خدعوا أعيننا بالتقدم المادى وجعلوا المعيار والميزان نماذجهم الخاصة وقدموا الدعوة للحاق بركبهم، ورغم ذلك لم يقدموا العون المنشود للبلدان التى لبت الدعوة واتجهت نحو التغريب؛ فعلى الصعيد العملى لم يكونوا أوفياء بالمرة، غير مسموح لغيرهم أن يلحق بالتقدم المادى، نحن سنرى ونسمع عن الرفاهية التى يصنعها تقدمهم المادى ولكن لنشتاق لها وننشغل بها فنكون سوقًا مفتوحة لتصريف منتجاتهم وعقولًا مخدوعة مغيبة بحجاب المادة والأفكار المزيفة.
نحن أمام نموذج ينسب لنفسه التقدم والأفضلية فى كل الجوانب وفى نظر الكثيرين فالتنمية والتقدم لابد أن يكونا طبقًا للنماذج التى رسمها لنا الغرب دون التزحزح عنها قيد أنملة وهو تصور خطير وخاطئ، فلا شك أنهم حققوا القوة والثراء سوى أنهم جروا الويلات على البشرية.
إذن فلابد أن نفك هذا الطلسم، طلسم التقدم، لابد قبل أن نستقبل مصطلحًا ما ونتعامل معه وندعه يؤثر على عقولنا وحياتنا أن نفهمه ونقف على حقيقته.
لقد جاءت النماذج الغربية على مقاييسهم هم، طبقًا لظروفهم وأفكارهم ومبادئهم ورؤيتهم للإنسان فكان معيارهم هو المادة حتى لو ضاعت القيم والأخلاق وفقد الإنسان حقيقته وجوهره.
لكن لو نظرنا للنظرة العقلية للإنسان، فهو خليفة الله فى أرضه، زوده بقدرة العقل وأمره بإعمار الأرض بالعدل وهيئ له الكون بكل كنوزه من أجل الإعمار والإبداع والارتقاء والصعود فى مسيرة التكامل البشرى.
إنها النظرة للإنسان، تلك النظرة التى تجعل الفرق بين مبادئنا ومبادئ تلك الحضارة جذرى وعميق، تلك النظرة التى تجعلنا نراها على حقيقتها ضعيفة واهية لا مستقر لها.
فلا تشتبه علينا الأمور، وكما يقول الدكتور محمد عمارة “أن عبور الفكر كل الفكر للحدود كل الحدود لا حرج فيه عند أنصار هذه الحضارة، فالعالم وطن واحد حضارة واحدة والأمم مجرد درجات ومستويات فى هذا البناء للحضارة الواحدة”، ومن يعارض هذا فهو عدو السلام والالتحام العالمى والوحدة البشرية.
يبيعوننا وهم، وهم الحرية ووهم السعادة ووهم احترام الإنسان ووهم تحرير المرأة فلا نجنى سوى الانحراف الأخلاقى وتشوه الفطرة وتفكك الأسر واستعباد الإنسان إما بالقيد والحرب وإما بالشهوة.
نحن لا نعارض أبدًا التقدم المادى، فهو لا غبار عليه ولكن بشرط أن يكون وسيلة لا غاية؛ وسيلة لرفعة الإنسان وسموه.
نحن لا نعارض الحضارة العالمية والوطن الواحد ولكن دون فقد الهوية الإنسانية، نريدها حضارة للبشرية حقًا، تخدم الإنسان كل إنسان وليس المصالح النفعية لبعض بنى الإنسان، لهذا يجب أن نحافظ على هويتنا، التى يمكن أن تُحيى حضارة إنسانية.
إن أى انحراف ثقافى فكرى يؤدى إلى خواء المجتمع وشعوره بالفراغ حتى وإن كان قويًا اقتصاديًا وسياسيًا، فلابد من الاستقلال الفكرى وأى ثقافة ترتبط بثقافة أخرى مخالفة لها سَيُفقد الثقافة الأصلية وجودها فلا يعبر كل الفكر ولا تهدم كل الحدود، تعبر فقط العلوم والمشتركات الإنسانية كالفيزياء والكيمياء والطب، لكن المبادئ والهويات لا تقبل المساس، الفكر ليس مجالًا للتجارب، إن الامم تنهض مهما طال رقودها تنهض من كبوتها ما بقيت هويتها وثقافتها.
نريد حضارة إنسانية مؤمنة بالعقل، مستندة إليه، منطلقة به نحو صلاح الإنسان.
الأربعاء، 12 يوليو 2017
هل المثقفون أكثر الناس كآبة؟!
هل المثقفون أكثر الناس كآبة؟!
لدينا صورة ذهنية أن المثقفين هم أفراد يمتازون بالكآبة وتشعر أنهم مصابون بالاكتئاب ومن هنا تزداد الدعاوى وتنهال النصائح بأن دعك من القراءة والثقافة واستمتع بحياتك فإنك لن تعيش سوى مرة واحدة فلا تضيع تلك الحياة في تثقيف ذاتك والحصول على المعارف فنتائجها وخيمة ولن تجد نفسك سوى إنسانًا بائسًا مصابًا بالاكتئاب، ينفر منك الناس بل وقد تكون عبرة للآخرين ممن يودون أن ينحوا نحوك فيكون مصيرهم بائس مثلك!
تلك الصورة الذهنية تترسخ يومًا بعد يوم لدى الكثير من الناس بل وينشرونها و يدعمونها بضرب أمثلة لأشخاص قريبين منهم وكم أصبحوا بائسين بسبب كثرة اطلاعهم وقراءتهم!
أتذكر أنني في أحد الأيام كنت مع مجموعة من الأصدقاء وأثناء سيرنا وجدنا شخصًا مهندم المظهر ولكن يبدو عليه علامات الجنون فجميعنا تجاهلناه باستثناء صديق لي ذهب إليه ليتحدث معه ويفهم قصته فعلم منه أنه متخرج من كلية العلوم ومن خلال الحديث معه علم أنه على قدر عال من الثقافة والعلم وكم هو متابع جيد لكافة التطورات التي تحدث على الساحة العالمية ولكن قد أصابه الإحباط واليأس لما يحدث لأنه يرى أنه “مفيش فايدة”!
فهل حقا المثقفون بائسون؟ أو كما قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
فما السبب في ذلك؟!
قبل أن نبحث عن السبب علينا أن نفهم أولا من هو المثقف؟ وما هو الإحباط واليأس؟
كي نستطيع فهم العلاقة بين الثقافة والشعور بالإحباط واليأس،علينا أن ندرك أولا أنه وفي بعض الأحيان المنشغلون بالقضايا الكبرى والذين يحملون عبء التغيير للأفضل على عاتقهم، يكونون مترفعين عن سفاسف الأمور ويضحون براحتهم واستمتاعهم بالمظاهر المادية في سبيل هدفهم الأسمى، فيظن من يراهم أنهم مصابون بالاكتئاب واليأس والإحباط، فالأمر يبدأ بالإحباط ثم يصل بنا إلى حد الاستسلام والشعور بالعجز والرغبة في الانطواء.
والمثقف في عرفنا هو ذاك الشخص الذي لديه الكثير من المعلومات والمعارف لكثرة الاطلاع، ولكن كيف يصل المثقف من كونه شخص يحمل الكثير من العلم إلى شخص مصاب بالإحباط؟!
في هذه الحالة يكون دور المثقف هو جمع أكبر قدر من المعلومات والثقافة ويكون لديه مخزون كثيف من هذه المعلومات وتأتى المشكلة عندما يبدأ في إدراك الواقع المحيط به ومدى تأزم الأمور وبعدها ينظر إلى حصيلة علمه وثقافته ولا يعلم كيف يستفيد من ذاك العلم في تغيير الوضع السيء فيبدأ يتسلل إليه شعور بأنه عاجز عن المساهمة في التغيير وأن كل هذه القراءات ليس لها قيمة ومن ثم الاستسلام لمشاعر الإحباط واليأس والانطواء على الذات.
إذن ما الحل لكي نمنع أنفسنا من الانزلاق في براثن اليأس؟
هل نمتنع عن القراءة والاهتمام بقضايا المجتمع والتقدم والحضارة، وننغمس في تدبير أمور حياتنا اليومية؟!
بالطبع ليس هذا بحل، الحل الصحيح هو أن نكون على وعي ودراية بكيفية استخدام تلك المعلومات بشكل سليم وصحيح كي نستفيد بها لجعل واقعنا أفضل ولنسعى لبناء مجتمع فاضل عادل ولا نكون كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
لدينا الكثير من المعلومات والمعارف ولكن لا نعلم كيف نستخدمها أو نستفيد بها ومن ثم نصبح مجرد مخازن للمعلومات!
فلكي لا نقع في ما يسمى “كآبة المثقفين” لنتخلى عن وهم الثقافة ونتحلى بالثقافة الحقة التي قال عنها أحمد خالد توفيق: أن الثقافة هي أن تستخدم ما تعرف في تكوين مفهوم متكامل للعالم من حولك وكيفية التعامل معه.
الثلاثاء، 11 يوليو 2017
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع
الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع
الخُلق هو حال للنفس داعيةُ إلى أفعالها من غير فكرٍ ولا روِّية، كما قال ابن مسكويه. بمعنى أن صاحب الخلق إرادته تابعة لخُلقه، والفعل تحت طوع الخُلق. فعلى سبيل المثال؛ أحد الجيران يشتعل بيته، فنجد أنَّ جاره الذى كان يجلس فى نفس اللحظة -يتناول الطعام مع أطفاله- يقوم مُسرعًا ملهوفًا لنجدة جاره بدون تفكير فى أى شئ غير ذلك. يُسيطر على إرادته أن نجدة جاره هو الفعل المُسيطر والمهيمن فى هذه اللحظة وليس الجلوس مع أطفاله.
ونحن-البشر- نلحظ الأخلاق بآثارها الخارجية على أصحابها، ففى المثال السابق نستطيع أن نقول أن هذا الرجل مُتخلق بخلقٍ نجدة الملهوف، ونستطيع أيضًا أن نقول أنه صاحب خلق حسن بالمعنى الخاص، و هو إنسان خلوق بالمعنى العام.
ونستطيع التمييز أيضًا بين الخلق الحسن والخلق السئ. فهذا واحد آخر لديه محل تُجارىّ ولديه عمال مساعدون بالمحل، وجل تعامله معهم يكون بالفظاظة والغلظة واللؤم. ولذلك نستطيع الحكم عليه بأنه رجل فظ، غليظ، لئيم. وأنه كذلك صاحب خلق سئ.
فالأخلاق كالنبع الذى يروى النباتات، فإن كان نبعًا صافيًا زلال؛ كانت النباتات يانعة صالحة جميلة المظهر، وإن كان النبع عكرًا فاسدًا مُلوّثًا؛ لرأينا نباتات صفراء فاسدة . فالأخلاق إنعكاس للنفس البشرية.
ولأن الإنسان العاقل محب لكل ما هو خير وجميل وحسن؛ يسعى دائمًا لتنقية نفسه مما انطبعت عليها من أخلاق سيئة. فهو كما ينقى ثوبه من الأدران والأوساخ، ينقى نفسه مما انطبع عليها من موبقات ورذائل. لأنه يريد أن يكون سعيدًا بنفسه كما هو سعيدًا بجسده المنتصب القامة عن سائر الكائنات.
والأخلاق منها ما يترسَّخ بالنفس حد الثبات، ومنها ما هو مؤقت لم تُتَحْ لها الفترة اللازمة حتى تتمكن بالنفس وتكون صفة راسخة. فإن كانت هذه الصفات الراسخة حسنة؛ فأنعم بها وأكرم لصاحبها ومن حوله. وإن كانت سيئة فبئس لصاحب الخلق ومن حوله. فالأخلاق لها انعكاسان أحدهما خاص والثانى عام؛ فهى تنعكس على صاحبها وتُكون شخصيته بشكل خاص، كما أنها أيضًا تنعكس على المجتمع ككل؛ فصاحب الخلق هذا يتعامل مع غيره فى الشركة، فى المصنع، فى المدرسة، فى المستشفى… إلى آخره. فلنتخيل سويًا ماذا سيحدث لشركة ما فى بلد ما إذا كان مديرها طيب الخلق، عطوف، مُقدِّر لمجهود موظفيه؟ وماذا سيحدث لهذه الشركة إن كان مديرها سئ الخلق ومقدر لمجهود موظفيه؟!
لا شك أننا أدركنا أن الأخلاق تأثيرها لا يرتبط بالفرد وحده بل بمن حوله ومحيطه أيضًا. والفرد الخلوق نواة لمجتمع صاحب أخلاق قويمة. ولنضرب مثلًا على تأثير الأخلاق الفردية على المجتمع؛ ففى إحدى الدول الغربية حدث أن انقطعت الإضاءة عن المدينة بأكملها، ويذكر صاحب مطعم فخم أنَّ مطعمه كان مزدحمًا فى تلك الليلة بالعُملاء ولِيُفَاجأ صاحب المطعم بعد عودة الإضاءة للمدينة ولمطعمه بأن جميع العملاء قد تركوا المطعم جميعًا دون أن يحاسبوا على ثمن وجباتهم!! فالأخلاق إن لم تكن حاكمة فى مجتمع، لرأينا أكثر المجتمعات تقدمًا علميًا تُقاسى الويلات بسبب انعدام الأخلاق.
وكما أن النبتة تُراع وتتابع حتى نحصل على أجود الثمر، فكذلك الخلق الحسن يحتاج أن يُراع ويتابع حتى يتمكن فى النفس وتحصل السعادة الفردية لصاحب الخلق، وكذلك السعادة والنفع لمجتمعه بمشاركته النافعة.
ومتابعة الأخلاق الحسنة وغرسها بالنفس، ونبذ الأخلاق السيئة تحتاج إلى إخلاص وصبر دؤوب. فالإنسان عندما يبدأ الكذبة يُطلق عليها مسميات من شأنها أن تخفى حقيقة خلق الكذب السيئة، فيطلق مثلًا لفظ “كذبة بيضاء” يبرر لنفسه أنه لا يفعل شيئًا مشينًا، ثم يستمر ويستمر حتى يصبح الكذب صفة راسخة فى نفسه. فكذلك الخلق القويم الحسن بالضبط. عندما يبدأ الإنسان بمعالجة خلقه السيئ كالبخل مثلًا؛ فإنه يبدأ بالضغط على نفسه لأنه يخالفها فيعطى ولو القليل، ثم يعطى، ويعطى حتى يبدأ بالتحلى بصفة الكرم.
فالأخلاق الحسنة تُرَقِّى الإنسان وتُعلى من قدره وترفعه إلى كماله حتى يستحق بذلك خلافة الإله الحكيم فى الأرض. والأخلاق الحسنة هى الكاشفة دائمًا إلى طريق الحقيقة.
مشقّة غير شاقّة!
مشقّة غير شاقّة!
تريد أن تنجح في حياتك؟
تريد أن تطلب العلم وتترقى فيه؟
تريد أن تكتسب عادات سليمة وتتخلص من أخرى سيئة؟
تريد أن تكتسب أخلاقًا حميدة؟
هناك طريق واحد لأي من ذلك، يدل عليه العقل، وينبهنا له العلماء والمصلحون والمرشدون، وهو العمل الشاق، وجهاد النفس، والعمل ضد شهواتها ونزواتها، كي تصل لمرادك.
طريق شاق مؤلم، أليس كذلك؟
وهذا ما يدفعنا للاستسلام، وترك الطريق، وأن نعود أدراجنا مفضلين منطقة الراحة.
وهذا طبيعي، لأن الإنسان بطبيعته محب للسعادة واللذة، غير محب للشقاء والألم، لذلك عندما يجد طريقا شاقًا ومؤلمًا ستنفر منه نفسه بالضرورة وتتركه، وسيفشل في مراده.
إذن ما الحل؟ هل هناك أمل في أن نتابع الطريق المؤلم الشاق؟
دعني أصارحك، لا يوجد أمل!
لا يوجد أمل طالما ترى أنه شاق ومؤلم، طالما لا ترى فيه إلا العذاب والشقاء، طالما لا تجني منه إلا العلقم والشوك.
الذين وصلوا إلى نهاية الطريق، كانت نظرتهم مختلفة، لقد رأوا فيه السعادة واللذة والبهجة.
أليس هذا الطريق هو الذي دلّك عقلك أن فيه سعادتك؟ طريق تحقيق مرادك والوصول لغاياتك القصوى الجميلة؟ أليست هذه الغاية مبهجة ولذيذة؟ أليست كل خطوة على الطريق هي خطوة صوب السعادة والقرب منها؟
إن سعادة الإنسان الحقيقية ولذته القصوى هي في اتباعه عقله، والوصول لغاياته السليمة التي فيها كماله، سعادته في تحصيل معارف يرتقي بها، وعادات وأخلاق تسمو بها نفسه وروحه.
وكل نجاح صغير، وكل خطوة قصيرة في الطريق، يجد فيها الإنسان لذة، كل معرفة ومعلومة جديدة لها بهجة، وكل عادة وخلق حسن له فرحة، وكل سلوك خيّر له نشوة.
إذن من أين تأتي المشقة؟
فقط أحيانا تخدعنا شهواتنا ونزواتنا، وأوهامنا وشياطيننا الداخلية بالميل للكسل، ولمناطق الراحة الوهمية والكاذبة، طالبين ما فيهم من راحة زائفة، واستقرار خادع، فيحجبون تلك اللذات والمباهج الحقة، ويتتبعون الماضي الزائف والحاضر المفتقر للتغيير فيبكون عليهم حسرات.
لكن الحفاظ على هذه الآفات، هو عين التعاسة والشقاء والألم كما تعرف أنت، هو الفزع الذي يعذب روحك كل صباح ويدفعك لمحاولة تغيير واقعك. فمشقة الترك هنا مثل مشقة تناول دواء مر قليلا للوصول لشفاء تام لذيذ، وبمجرد بدء الخطوات والانتباه للمباهج سابقة الذكر ننسى هذه المشاق وننشغل عنها. بل في الحقيقة إن الدواء طعمه حلو وليس مرًا! لكن شهيتك المعتلة التي اعتادت المرض هي التي تنكرت له، وعندما تتعافى ستلتذ به.
أيضًا قد يعيا الجسد في تتبع الأرواح الوثابة نحو الثريا، لكنه تعب سريع الزوال يذهبه قليل نوم أو راحة.
إن لذات الطريق ومباهجه يشخصها العقل ويعرفها يقينا، ويلتذ بها في كل خطوة، لذة وسعادة الكمال الحق للإنسان، لذة عظيمة تنتبه لها الأرواح التواقة للجمال فتنسى كل ما دونها، وتحيا بها وتنتشي، فتتحرك طربا وابتهاجا، فلا تكاد تلتفت لآلام الجسد القليلة وأوهام النفس الخادعة.
تذكر ذلك وتنبه له دومًا، إن لم تر في الطريق غير آلام الجسد ومخاض النفس، وفشلت في إدراك جماله فإنك ستنفر منه.
خدعة كبيرة تُسوق لنا: “طريق السعادة لا سعادة فيه”! لكن في الحقيقة الطريق هو عين السعادة، وما فيه من مشقة -هي في الحقيقة-غير شاقة.
ماذا يدور في ذهن الغرباء؟
ماذا يدور في ذهن الغرباء؟
في هذه اللحظات من الهدوء الخانق الذي يكاد يقتل الإنسان من شدة ألم الوحدة تظهر تفاصيل الحياة أكثر وضوحا… تتحقق هنا لحظات من الصراحة مع النفس، فإنك في هذه اللحظات لا تجد أمامك إلا نفسك لتسليك وتخاطبك وتحقق معك! بصراحة لا أعلم كيف يتحمل الغربة هؤلاء الذين عايشوها بالعقود حتى وافتهم المنية بعيدا عن الوطن أو ربما عادوا بعد أن أهلكتهم الأيام والشهور والسنين، فأصبحوا أجسادا متهالكة مستنفذة تعود مثل الأفيال المسنة لمقبرة الأجداد لتلحق بهم؟ ربما هي صورة سوداوية لا يطيق سماعها -ناهيك عن أن يصدقها- كل أصدقائي المتحمسين للسفر، فهو لا يرى في الغربة سوى النقود والمتعة والتغيير والدنيا ثم المزيد من النقود والمتعة والدنيا.
لكن هؤلاء لا يفكرون في المعادلة ككل، فهم لا يفكرون في تلك اللحظة التي تعود فيها بعد سهرة صاخبة وممتعة مع أصدقائك لمنزلك الصغير، تفتح الباب فلا تجد من يسلم عليك، لا تجد الحضن الدافئ الذي اعتدت عليه ولا الأصوات المألوفة التي تحييك عند الدخول، تلك الأشياء البسيطة التي نتعامل معها كل يوم في وطننا على أنها حق مكتسب بالفعل، لا لن تجدها! فقط ستجد تلك اللحظات الفظيعة من الصمت ثم الصمت ثم المزيد من الصمت. لن يقطعه إلا ربما كلامك مع نفسك أو ترديدك لبعض الآيات من كتابك المقدس أو ترديد بعض النغمات من هنا وهناك. كل ذلك ليس لأنك تريد أن تسمع أو تقرأ أو تردد، ولكن فقط لتهرب من ذلك الصمت الرهيب، فقط لكي تنسى أنك هنا وحدك تماما!
سينالني الكثير من النقد والتهكم وربما الغضب والسخرية من هذه النظرة. أتفهم ذلك تماما، فأنا الآن في نظر الكثيرين “متبطر على النعمة” منكر للجميل وجاحد. أتخيل ربما أن شخصا –بل أنا متأكد– سيقول لي عد أنت لوطنك الذي تحبه ولأذهب أنا بدلا منك لأستمتع وأغتنم تلك الفرصة التي يبدو أنها لا تعجبك كثيرا! وأنا لا ألوم أيًّا من تلك الأصوات التي ربما تضحكني الآن وأنا أتخيلها. لقد رأيت بعض الأشياء في حياتي وتخيلت عند رؤيتها لأول وهلة أنها سهلة سلسة، ولكن عند تجربتها بنفسي أدركت صعوبتها وعدم قدرتي عليها في بعض الأحيان.
لكن ما هي تلك الأشياء غير المرتبة التي أتكلم عنها؟ ما الذي أريده؟ وما هي غايتي من هذا الكلام؟ ربما هي أكثر كتاباتي غير المرتبة ولكن ذلك لأن الكلام يعكس ما أشعر به وهو الحيرة والتخبط بين المشاعر المتعاكسة والقرارات المتضاربة. لقد اخترت أن أكتب في خضم تلك الحالة النفسية غير المتزنة ليكون كلامي نابعا منها لا فقط واصفا لها ومعبرا عنها. فأنا أسطر الآن جزءا من الحوار الفعلي الذي يدور بيني وبين نفسي. لا أعرف هل أكون سعيدا أم حزينا؟ متحمسا أم كسولا؟ مندفعا أم مترددا؟ بدون نقطة أصل يربطني بها حبل الأمان سأتوه حتما في مياه هذه البحار العنيفة. أمواج متلاطمة وعواصف وأحداث سريعة الوتيرة تكاد تغمرك كما تغمر المياه الغريق الذي أوشك على الهلاك، وبدون سترة النجاة ستجد نفسك بالفعل انتهيت.
أحاول أن أهدأ وأن أتحكم في انفعلاتي، لا أنسى كم كنت أشعر أنني طفل صغير بائس عندما أخذني أحد الطلاب وهو يصغرني بـ 6 سنين لأنهي أوراقي الرسمية. كنت مثل الأضحوكة، يأخذني هنا ثم هناك، يتكلم مع الموظفين بلغته التي لا أعرفها وينطق باسمي مرات كثيرة فأعرف أنهم يتكلمون عني، ثم يوجهون لي بعض الأسئلة فأجاوبهم بالإنجليزية التي لا يعرفون عنها إلا القليل فأعود لأشعر بالإحباط والحزن مرة أخرى. ما هو ذلك الشيء الذي ينقصني؟ ربما أشتاق للتكلم بطلاقة، أتذكر هنا تلك الأيام التي كنت أضيعها دون أن أطمئن على أصدقائي وأقاربي، أتمنى لو تعود تلك اللحظات الآن لكي أكلمهم وأسمع أصواتهم العذبة التي كانت ستسلي عني كثيرا في هذه المواقف السيئة.
تسقط كل الأقنعة الزائفة التي كنت أرتديها في وطني عن وجهي بكل سهولة عندما أواجه هذا الصمت الرهيب صمت الغربة، صمت في وسط الضجيج. تسمع الأصوات ولكن لا تفهم، تصدر الضحكات ولكن دون أن تشعر بالسعادة، يحرقك الحزن والأسى ولكن لا أحد يحنو عليك أو يطمئنك. هي بالفعل غربة، كلمة ثقيلة ربما لن يدرك معناها إلا من واجهها عيانا بيانا.
ولكن في وسط كل تلك الظلمة والتشاؤمية التي ربما غلبت بالكامل على كتابتي هذه المرة، لا يدفعني للاستمرار إلا بصيص من النور في آخر نفق الغربة المؤلم المظلم الكئيب. لقد أتيت إلى هنا لأن لدي قضية وهدف أسعى إليه. لست هنا في نزهة أو عطلة لكي أستمتع، لو توقعت المتعة فبالتأكيد سأكتئب لأنني لن أجد أي متعة هنا، إلا ربما لحظات قصيرة من تجربة الجديد وغير المألوف والتي ربما ستنسيني هذا الصمت المخيف الذي أحاول أن أهرب منه. لكن ليس هذا سببا كافيا وحده لكي أستطيع أن أستمر في الرحلة.
لقد جئت لأعيش ولو جزءا يسيرا مما أكتب عنه وأحاضر عنه وأدعو له في كلامي ورأيي وكتاباتي. لم أجيء لكي أتحول للوحة إعلانات ضخمة للغرب أو لكي أساعد في رسم الصورة الوردية عن الحياة في الغربة. لقد جئت لأكسر صنم الغربة في قلبي. ذلك المفتاح السحري ومصباح علاء الدين الذي يصور الإعلام والغزو الثقافي الذي فتك بعقولنا أنه الحل لكل مشكلاتنا وأزماتنا. اعتقاد نسف الكثير من المبادئ ودمر الكثير من قدرات الوطن البشرية والمادية وأهلك الكثير من الأجيال السابقة والمستقبلية التي عانت ولا زالت تعاني من عدم الاستقرار الأسري الذي ينتج عن الغربة.
أستطيع اليوم أن أبحث في نفسي بدرجة أعمق مستغلا الصمت الذي يجلي تفاصيل النفس وعيوبها لكي أعالجها وأعود لوطني بعد فترة من النقاهة والتطهير، إنسانا قد انتصر على شهواته وغضبه واستطاع تكريس وقته ومجهوده للعمل على تحقيق قائمة أهداف محددة. ويعود الآن لوطنه ليخدم المستضعفين ويطور في ذلك البناء الشامخ الذي تركه له الأجداد والآباء بعد معاناة ومجهود على مدار آلاف السنين. إرث لا يعتز به إلا من عرف قيمته الحقيقية وعايشها، ولا يستهين به إلا من انهزمت عقليته أمام الغزو الثقافي الغربي الذي يشوه لنا كل ما تبقى من إرثنا وهويتنا الوطنية. فقط بهذه العقلية أستطيع أن أقهر ظلمات هذه الغيبة القاتمة.
طلسم التقدم
طلسم التقدم
بنى الإنسان لنفسه عالمًا من الأفكار والفلسفات المختلفة والتى تعكس نظرته لوجوده وغايته فى الوجود، وقامت حضارات واختفت حضارات حتى شهد التاريخ البشرى حضارة تطرح نفسها كحضارة عالمية شاملة؛ حضارة لها وسائلها وقيمها التى تقدمها لنا بوصفها الأفضل لما فيه صالح البشرية، الحضارة المادية.
وأعترف أن هذه الحضارة تمتاز بالحنكة فى الدعايا والإعلام، أقنعونا بأن التنمية تعنى الغرب والغربيين، وعلى من يريد أن ينضم لمصاف الدول النامية الساعية للتقدم أن يقتدى بالنموذج الغربى وبالتغريب.
ولكن على الرغم من كل هذه الدعايا والكلمات الحلوة الرنانة وكل هذه البهرجة، فإن هذا التقدم الذى يزعمون أنه يحمل بين طياته سعادة البشرية هو ذاته نفس التقدم الذى تعانى منه البشرية بأسرها، ولكل حظه من العناء، هذه الحضارة هى التى أدت بالشعوب إلى المعاناة من الأسر والذل والحروب وانتشار الأخلاق الفاسدة والمبادئ المزيفة وشيوع الفساد والانحراف والتفكك الأسرى، حتى تلك الدول التى أقامت هذه الحضارة نالت نصيبها من العناء؛ فلو تمت مقارنة الوضع الأخلاقى لتلك الشعوب قديمًا بالوقت الحالى لوجدنا انحطاطًا أخلاقيًا يعم الغرب الحالى بدرجة لا تُصدق، ولن نجد السعادة ترسم سقف حياتهم، ولكن سنجد معدلات مرتفعة من الاكتئاب والحزن والانتحار والوحدة والتفكك الأسرى بل والفقر أيضًا فى بعض المناطق.
لقد خدعوا أعيننا بالتقدم المادى وجعلوا المعيار والميزان نماذجهم الخاصة وقدموا الدعوة للحاق بركبهم، ورغم ذلك لم يقدموا العون المنشود للبلدان التى لبت الدعوة واتجهت نحو التغريب؛ فعلى الصعيد العملى لم يكونوا أوفياء بالمرة، غير مسموح لغيرهم أن يلحق بالتقدم المادى، نحن سنرى ونسمع عن الرفاهية التى يصنعها تقدمهم المادى ولكن لنشتاق لها وننشغل بها فنكون سوقًا مفتوحة لتصريف منتجاتهم وعقولًا مخدوعة مغيبة بحجاب المادة والأفكار المزيفة.
نحن أمام نموذج ينسب لنفسه التقدم والأفضلية فى كل الجوانب وفى نظر الكثيرين فالتنمية والتقدم لابد أن يكونا طبقًا للنماذج التى رسمها لنا الغرب دون التزحزح عنها قيد أنملة وهو تصور خطير وخاطئ، فلا شك أنهم حققوا القوة والثراء سوى أنهم جروا الويلات على البشرية.
إذن فلابد أن نفك هذا الطلسم، طلسم التقدم، لابد قبل أن نستقبل مصطلحًا ما ونتعامل معه وندعه يؤثر على عقولنا وحياتنا أن نفهمه ونقف على حقيقته.
لقد جاءت النماذج الغربية على مقاييسهم هم، طبقًا لظروفهم وأفكارهم ومبادئهم ورؤيتهم للإنسان فكان معيارهم هو المادة حتى لو ضاعت القيم والأخلاق وفقد الإنسان حقيقته وجوهره.
لكن لو نظرنا للنظرة العقلية للإنسان، فهو خليفة الله فى أرضه، زوده بقدرة العقل وأمره بإعمار الأرض بالعدل وهيئ له الكون بكل كنوزه من أجل الإعمار والإبداع والارتقاء والصعود فى مسيرة التكامل البشرى.
إنها النظرة للإنسان، تلك النظرة التى تجعل الفرق بين مبادئنا ومبادئ تلك الحضارة جذرى وعميق، تلك النظرة التى تجعلنا نراها على حقيقتها ضعيفة واهية لا مستقر لها.
فلا تشتبه علينا الأمور، وكما يقول الدكتور محمد عمارة “أن عبور الفكر كل الفكر للحدود كل الحدود لا حرج فيه عند أنصار هذه الحضارة، فالعالم وطن واحد حضارة واحدة والأمم مجرد درجات ومستويات فى هذا البناء للحضارة الواحدة”، ومن يعارض هذا فهو عدو السلام والالتحام العالمى والوحدة البشرية.
يبيعوننا وهم، وهم الحرية ووهم السعادة ووهم احترام الإنسان ووهم تحرير المرأة فلا نجنى سوى الانحراف الأخلاقى وتشوه الفطرة وتفكك الأسر واستعباد الإنسان إما بالقيد والحرب وإما بالشهوة.
نحن لا نعارض أبدًا التقدم المادى، فهو لا غبار عليه ولكن بشرط أن يكون وسيلة لا غاية؛ وسيلة لرفعة الإنسان وسموه.
نحن لا نعارض الحضارة العالمية والوطن الواحد ولكن دون فقد الهوية الإنسانية، نريدها حضارة للبشرية حقًا، تخدم الإنسان كل إنسان وليس المصالح النفعية لبعض بنى الإنسان، لهذا يجب أن نحافظ على هويتنا، التى يمكن أن تُحيى حضارة إنسانية.
إن أى انحراف ثقافى فكرى يؤدى إلى خواء المجتمع وشعوره بالفراغ حتى وإن كان قويًا اقتصاديًا وسياسيًا، فلابد من الاستقلال الفكرى وأى ثقافة ترتبط بثقافة أخرى مخالفة لها سَيُفقد الثقافة الأصلية وجودها فلا يعبر كل الفكر ولا تهدم كل الحدود، تعبر فقط العلوم والمشتركات الإنسانية كالفيزياء والكيمياء والطب، لكن المبادئ والهويات لا تقبل المساس، الفكر ليس مجالًا للتجارب، إن الامم تنهض مهما طال رقودها تنهض من كبوتها ما بقيت هويتها وثقافتها.
نريد حضارة إنسانية مؤمنة بالعقل، مستندة إليه، منطلقة به نحو صلاح الإنسان.
هل المثقفون أكثر الناس كآبة؟!
هل المثقفون أكثر الناس كآبة؟!
لدينا صورة ذهنية أن المثقفين هم أفراد يمتازون بالكآبة وتشعر أنهم مصابون بالاكتئاب ومن هنا تزداد الدعاوى وتنهال النصائح بأن دعك من القراءة والثقافة واستمتع بحياتك فإنك لن تعيش سوى مرة واحدة فلا تضيع تلك الحياة في تثقيف ذاتك والحصول على المعارف فنتائجها وخيمة ولن تجد نفسك سوى إنسانًا بائسًا مصابًا بالاكتئاب، ينفر منك الناس بل وقد تكون عبرة للآخرين ممن يودون أن ينحوا نحوك فيكون مصيرهم بائس مثلك!
تلك الصورة الذهنية تترسخ يومًا بعد يوم لدى الكثير من الناس بل وينشرونها و يدعمونها بضرب أمثلة لأشخاص قريبين منهم وكم أصبحوا بائسين بسبب كثرة اطلاعهم وقراءتهم!
أتذكر أنني في أحد الأيام كنت مع مجموعة من الأصدقاء وأثناء سيرنا وجدنا شخصًا مهندم المظهر ولكن يبدو عليه علامات الجنون فجميعنا تجاهلناه باستثناء صديق لي ذهب إليه ليتحدث معه ويفهم قصته فعلم منه أنه متخرج من كلية العلوم ومن خلال الحديث معه علم أنه على قدر عال من الثقافة والعلم وكم هو متابع جيد لكافة التطورات التي تحدث على الساحة العالمية ولكن قد أصابه الإحباط واليأس لما يحدث لأنه يرى أنه “مفيش فايدة”!
فهل حقا المثقفون بائسون؟ أو كما قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
فما السبب في ذلك؟!
قبل أن نبحث عن السبب علينا أن نفهم أولا من هو المثقف؟ وما هو الإحباط واليأس؟
كي نستطيع فهم العلاقة بين الثقافة والشعور بالإحباط واليأس،علينا أن ندرك أولا أنه وفي بعض الأحيان المنشغلون بالقضايا الكبرى والذين يحملون عبء التغيير للأفضل على عاتقهم، يكونون مترفعين عن سفاسف الأمور ويضحون براحتهم واستمتاعهم بالمظاهر المادية في سبيل هدفهم الأسمى، فيظن من يراهم أنهم مصابون بالاكتئاب واليأس والإحباط، فالأمر يبدأ بالإحباط ثم يصل بنا إلى حد الاستسلام والشعور بالعجز والرغبة في الانطواء.
والمثقف في عرفنا هو ذاك الشخص الذي لديه الكثير من المعلومات والمعارف لكثرة الاطلاع، ولكن كيف يصل المثقف من كونه شخص يحمل الكثير من العلم إلى شخص مصاب بالإحباط؟!
في هذه الحالة يكون دور المثقف هو جمع أكبر قدر من المعلومات والثقافة ويكون لديه مخزون كثيف من هذه المعلومات وتأتى المشكلة عندما يبدأ في إدراك الواقع المحيط به ومدى تأزم الأمور وبعدها ينظر إلى حصيلة علمه وثقافته ولا يعلم كيف يستفيد من ذاك العلم في تغيير الوضع السيء فيبدأ يتسلل إليه شعور بأنه عاجز عن المساهمة في التغيير وأن كل هذه القراءات ليس لها قيمة ومن ثم الاستسلام لمشاعر الإحباط واليأس والانطواء على الذات.
إذن ما الحل لكي نمنع أنفسنا من الانزلاق في براثن اليأس؟
هل نمتنع عن القراءة والاهتمام بقضايا المجتمع والتقدم والحضارة، وننغمس في تدبير أمور حياتنا اليومية؟!
بالطبع ليس هذا بحل، الحل الصحيح هو أن نكون على وعي ودراية بكيفية استخدام تلك المعلومات بشكل سليم وصحيح كي نستفيد بها لجعل واقعنا أفضل ولنسعى لبناء مجتمع فاضل عادل ولا نكون كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
لدينا الكثير من المعلومات والمعارف ولكن لا نعلم كيف نستخدمها أو نستفيد بها ومن ثم نصبح مجرد مخازن للمعلومات!
فلكي لا نقع في ما يسمى “كآبة المثقفين” لنتخلى عن وهم الثقافة ونتحلى بالثقافة الحقة التي قال عنها أحمد خالد توفيق: أن الثقافة هي أن تستخدم ما تعرف في تكوين مفهوم متكامل للعالم من حولك وكيفية التعامل معه.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)