لا تحلم طويلا
جميل أن تحلم وتتخيل كيف يمكن أن تصبح حياتك أفضل لو فعلت كذا وكذا، إحساس رائع أن تحلم بإنجاز وتتمنى تحقيقه، ومن ملذات الحياة قدرتنا على التخيل والاستمتاع بالصور التي ترسمها مخيلتنا عما يمكن أن تكون عليه الحياة، هي نعمة من الله أن تعرف أن بإمكانك إعادة تشكيل واقعك وفقا لما تراه مناسبا ومحققا لسعادتك وأن تصنع لذلك إطارا جميلا من المشاعر التي تحيط بتلك الصور الخيالية التي ترسمها في ذهنك وتجد فيها كل التفاصيل كما ينبغى أن تكون وفقا لرغباتك وأحلامك وأمانيك، نعمة تلك اللحظات التي تغمض فيها عينيك لتتطلع إلى عالمك الخاص في أجمل صورة تظن أنه يجب أن يكون عليها، وتنفصل في هذه اللحظات عن واقعك الذي لا يعجبك ولم يعد فيه ما يثيرك، ويجذب ناظريك، تغلق أجفانك مغلقا تلك البوابة التي يأتي منها ما لا تحب وما تعجز عن تقبله وما لا يتوافق مع ما تريد، وتنسحب إلى ذلك العالم الخيالي الخاص بك تنعم فيه بما تراه الأنسب والأجمل والأكثر تحقيقا لرضا نفسك.
ولكن ماذا تفعل حينما تنقضي تلك اللحظات وتنفتح تلك البوابة على الواقع مرة أخرى، فهي لحظات قليلة تختارها حين يمكنك أن تحظى بوقت تطلق فيه لخيالك العنان في وسط يساعدك على الانغلاق حول نفسك والتفرد بعقلك دون أي مؤثرات خارجية، لحظات قصيرة تختارها في صحوك ولكن لا يمكنك أن تبقى فيها للأبد ولا يمكنك أن تحول دون انقطاعها إذا طرأ طارئ حولك يجبرك على الخروج من مساحة خيالك إلى واقع لا فكاك منه.
وفي بعض الاحيان يأتيك هذا العالم في منامك وهذه المرة لا يكون بشكل كامل وفقا لإرادتك فربما تختلف بعض التفاصيل التي لا يمكنك السيطرة عليها في نومك، ويبدأ عقلك في التعبير عن رغباتك وأحلامك بطريقته التي ربما تسعدك أيضا، ولكنها تنتهي كسابقتها عندما يحين موعد استيقاظك وعودتك مرة أخرى إلى الواقع.
إذن هو عالم خيالي جميل وممتع ترضى فيه نفسك بحال واقعها ومهرب جيد من واقع لا يرضيك، ولكنه يظل عالما خياليا بعيدا، نحتفظ له بصور نحتمي بها حين يصعب علينا التأقلم مع الواقع ونرتشف منه رحيقا يخدر عقولنا حتى تستريح في جنة وهمية مؤقتة، لذا علينا أن نجد حلا لنقل هذا العالم إلى واقعنا حتى نستمتع بحياتنا أو نجد طريقا للاستقرار هناك في خيالاتنا المحببة حتى تنقضي الحياة.
طبعا لتحقق الفكرة الثانية عليك أن تتخلى عن حياتك لتحيا في صور خيالية وتبقى في عالم الأحلام، ويتطلب ذلك أن تظل نائما، وهنا إن أمكنك النوم للأبد لن يمكنك التحكم في كل أحلامك وتفاصيلها وربما تعلق في كابوس يصعب الفكاك منه ويكون اسوأ من واقعك، وإن بقيت مستيقظا متوغلا في أحلام اليقظة ستمر أيامك منفصلة عن الواقع وتمضى حياتك هباء عبارة عن خيال محض ودون تحقيق فعلي لأحلامك على أرض الواقع، ستمضي أيامك مغيبا مفتقدا لذة التحقيق الفعلي للأمنيات، ستكون سجين الوهم مصابا ربما بأمراض نفسية تثير شفقة من حولك، وبالطبع سيعملون على علاجك ومساعدتك على الخروج من عالمك إلى الواقع فتضيع تلك المتعة الزائفة، وحقا متعة تحقيق الحلم في أرض الواقع تفوق بكثير لذة تصور الحلم مهما كانت درجة انغماسك فيه، واقعك هو حياتك التي يمكن أن تهرب منها مؤقتا بأي مسكنات ولكن لا يمكن أن تنكره بالغوص في عالم وهمي تصوره لك بعض المخدرات او تشغلك عنه ملهيات النفس، فالسعادة الوهمية التي تحققها الملذات المادية والهلاوس التي تخلقها لك بعض العقاقير ستأخذ منك الكثير في مقابل القليل من الوهم المؤقت الزائل، فعقلك لن يستمر معك في خداعك بل سينقلب عليك مذكرا إياك بأنك في عالم وهمي لا سعادة حقيقية فيه فتفقد تلك اللذة.
احتفظ بصور واقعك الذي تتمناه في ركن بسيط في عقلك يذكرك بما يجب أن يكون ويحفزك للعمل على تحقيقه فرؤية الصورة النهائية ستساعدك حتما على السير إليها بشغف، وشوقك إلى الاستمتاع بها سيدفعك للعمل من أجل الوصول إليها.
ابدأ من الآن رحلة المواجهة، افتح تلك البوابات التي تفصلك عن الواقع وعاود النظر اليه، تفحصه جيدا بدقة تعينك على فهمه بشكل سليم، استخدم عقلك في تلقى البيانات الصحيحة واستخدمه في تحليلها بوعي يساعدك على استبيان أسباب الخطأ فيه والتعرف على مسببات القبح، ومن ثم تتولد لديك القدرة على حل المشكلة بعد تحديدها، تخلص من الضغوط واسترخِ قليلا حتى تمنح عقلك فرصة ليستعيد قوته على الحكم بدقة مستعينا بالبراهين التي تكفيه ليشخص حال واقعه، خلصه من الاوهام والإرهاق الناتج عن التعايش فيها، تعلم أن تواجه نفسك بنقاط القوة ونقاط الضعف، لا تخجل من تحديد ما ينقصك، وتخلص من سخافة إلقاء اللوم على الواقع والمحيطين غافلا عن عيبك، فكيف يتسنى لك تغيير ما تعجز عن رؤيته وتحديده؟ اعترافك ببعض الأخطاء والعيوب هو وسيلتك للتخلص منها، الكبر الذى يمنعك من رؤيتها أو الاعتراف بها لنفسك ما هو إلا مانع لعودتك إلى طريق واقعك الذي تتمناه، استعن بأهل الثقة من حولك في تحديد ما ينقصك، ولا تخجل من تلقي المساعدة، واعلم أن عملك على تغيير ما ينقصك في نفسك هو بداية تغييرك لما تراه ناقصا في واقعك، وليس علينا أن ننتظر طويلا حتى نغير كل صفاتنا السلبية أو ننتظر حتى يتحقق كمالنا النفسي لنبدأ بعدها في تغيير الواقع، بأن يكون العمل في توازٍ للتوفيق بينهما: أسعَى لتحقيق كمال نفسي في مواطن ضعفها وأنا أتحرك في تغيير الواقع بخطوات مدروسة مبسطة، بالقدر المتاح لي. ولا تنتظر أن تنقلب الأوضاع 180 درجة لمجرد أنك بدأت، بل ربما تجد من الصعاب ما لم تتوقعه قبل أن تبدأ، فإحصاؤك للمعوقات قبل البدء في العمل لا يكفى لنقل الصورة كاملة عما ستواجهه، فقد تقابل ما لم تعمل له حسابا، ربما تجد بعض السلبيات أكثر رسوخا في المجتمع مما لا يعينك على اقتلاعها بسهولة، خاصة فيما يتعلق بالأفكار الموروثة التي تسيطر على المحيطين بك، ستجد أفكار متوغلة في عقولهم يصعب اقتلاعها، ولكن لا يصعب التعامل معها والتخلص التدريجي من ثمارها الضارة حتى تبقى تلك الأفكار كشجرة متساقط أوراقها لا تثمر ولا تنفع، ويتحقق ذلك بالنقاش المبني على مصاديق يرى فيها صاحب تلك الأفكار ذبولها فيقتلعها بنفسه لأنها لا تدر عليه نفعا، فما نفع شجرة لا تثمر ولا تظلل العقل بصواب يحميه، ومن هنا تتأكد لنا أن حدود طاقة التغيير للواقع يمكن أن تتمثل –فيما يتعلق بالآخرين المحيطين- في محاورة عقولهم بالمنطق القائم على الحجة والبرهان حتى تثبت فساد تلك الثمرة فيُعرض عنها باقتناع، وتستمر أنت في سعيك، فربما حين اقترابك من نهاية الطريق تجد كثيرين تخلص كل منهم من أشجاره الضارة وقام بزراعة فكر جديد يثمر الخير لنفسه ولمجتمعه، فاستعن بتلك الصحبة الصالحة التي تثق في نبل أهدافها واتحاد أفكاركم وانطلق معهم في طريقك، استمر في تطوير ذاتك ومساعدة غيرك على اقتلاع جذور الجهل، وابذر معهم بذور المعرفة في عقول تسعى معك إلى كمالها في أرض الواقع، اعتزل الوهم وافتح جفونك وتحرك لترى الواقع كما تريد أن تراه