فإذا بالمقاول يندهش من رد المهندس “مائة خازوق في الأرض” وقد بدا مستكثرا للأمر وغير راضٍ عن هذا، يحاول المقاول أن يقنع المهندس بتخفيض عدد الخوازيق إلى خمسة وسبعين خازوق ولكنه يفشل وتنتهي المكالمة… ولكن بعد قليل يستقبل “موبايله” اتصالا فإذا بصوت الدعاء الجميل يصدر من “موبايله” فيرد على المتصل وقد بدا ذلك الرجل في مظهره متدينا وقد كان من مصاديق ذلك نغمة هاتفه، بعد انتهاء المكالمة يفكر الرجل وإذ به فجأة يرفع “موبايله” ليخابر فردا آخر وقد آذاني كثيرا لما يحدثه من ضوضاء وتشتت أثناء قرائتي بسبب صوته العالي.
المقال “ازيك يا بشمهندس” وبعد الترحيب يسأل كم تحتاج الأرض من خوازيق؟
لذلك صارت أزمة مجتمعاتنا العربية –هي التناقض في القول والفعل- فما تقوله وتدعيه شيء وواقعها شيء آخر، نجد من يلوك الأقوال كقطع الحلو في فمه لكي ينعم بجمال الطعم بغض النظر عن أي شيء فصارت القيمة شيئا والعمل شيئا آخر، وصارت الفضيلة شعارًا يُرفع لا لكي ينفذ وإنما لجلبه بما يعود بالنفع المادي على صاحبه، فصار التعليم والعمل شيء والأخلاق شيء آخر ولا غضاضة بقليل من الإيمان ليصلح طعم الفم من مراراة الحياة ومن أجل مزيد من الكفاح المادي، وقد بدأت تلك المنظومة الإبليسية منذ بداية دخول الطفل إلى حقل التعليم فصار التعليم شيئا وصارت التربية شيئا آخر فانهارت أخلاق القوم وما لبس تعليهم ان أصبح ملازما لخطى سلفه.
فإلى متى نظل في حالة الانفصام بين الوجه الإنساني لنا مخفيا لملامح حيوان مفترس.
فعلينا أن نعيد أولا البوصلة إلى مكانها وذلك من خلال بحثنا عن القيم الأخلاقية محددين موقع الفضائل وما ينبغي أن تكون عليه، بغض النظر عن النظرة الضيقة لمصلحتنا المادية القريبة، وأن نكرس كل الاهتمام من أجل نشر تلك الفضيلة وغرسها أولا في نفوس أبنائنا قبل كل شيء، وأن نكافح ولاية المال على ما ينبغي أن يكون وذلك بإعطاء الراية لقيادة العقل المتسلح بالعلم والفضيلة، فلا علم بلا فضيلة، فبدونه يصير العلم وبالاً على صاحبه ومحيطه وقد صار ذلك جليا من حولنا في صراع البشر من حولنا فصار الإنسان يبيد أخاه بالقنبلة النووية لمزيد من العلو على حساب الفضيلة متذرعا ببعض المبررات الواهية ليستر عورته ويشعر برُقي عن ذاك الحيوان العاجز عن ستر عورته فتصبح الفضيلة لتميـيز الإنسان من أجل مزيد من التفاخر لا أن تكون بوصلة للرقي والكمال الإنساني.
فلا فضيلة بلا علم؛ فالجهل منشأ كثير من الشرور فمعًا بالعلم والفضيلة نكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق دون أن ندور في دائرة مغلقة حول البحث عن الحل وعن اللعن لواقعنا ولما صارت أمورنا إليه فالمصائب تأتي من الفصل بين الواقع والفضيلة.